فصل: مَا جَاءَ فِي أَمَانِ الْعَبْدِ مَعَ مَوْلاَهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


سُهْمَانُ الْخَيْلِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَهُ فَرَسَانِ لاَ يُسْهَمُ لَهُ إلَّا لِوَاحِدٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَلاَ يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَبِهِ عَمِلَتْ الْأَئِمَّةُ‏,‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَرَسَيْنِ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَكَانَ الْوَاحِدُ عِنْدَنَا شَاذًّا لاَ نَأْخُذُ بِهِ‏,‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ بِذَلِكَ عَمِلَتْ الْأَئِمَّةُ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبِذَلِكَ مَضَتْ السُّنَّةُ وَلَيْسَ يَقْبَلُ هَذَا وَلاَ يَحْمِلُ هَذَا الْجُهَّالُ فَمَنْ الْإِمَامُ الَّذِي عَمِلَ بِهَذَا وَالْعَالِمُ الَّذِي أَخَذَ بِهِ حَتَّى نَنْظُرَ أَهُوَ أَهْلٌ لاََنْ يُحْمَلَ عَنْهُ مَأْمُونٌ هُوَ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ لاَ‏؟‏ وَكَيْفَ يُقَسَّمُ لِلْفَرَسَيْنِ وَلاَ يُقَسَّمُ لِثَلاَثَةٍ مِنْ قِبَلِ مَاذَا‏؟‏ وَكَيْفَ يُقَسَّمُ لِلْفَرَسِ الْمَرْبُوطِ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَاتَلَ عَلَى غَيْرِهِ‏؟‏ فَتَفَهَّمْ فِي الَّذِي ذَكَرْنَا وَفِيمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَتَدَبَّرْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَحْفَظُ عَمَّنْ لَقِيت مِمَّنْ سَمِعْت مِنْهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ لاَ يُسْهِمُونَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَبِهَذَا آخُذُ‏,‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله تعالى عنهم كَانَ يَضْرِبُ فِي الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٍ لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمٍ فِي ذَوِي الْقُرْبَى سَهْمِ أُمِّهِ صَفِيَّةَ يَعْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَهَابُ أَنْ يَذْكُرَ يَحْيَى بْنَ عَبَّادٍ وَالْحُفَّاظُ يَرْوُونَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ وَرَوَى مَكْحُولٌ‏:‏ ‏{‏أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ‏}‏ فَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَى قَبُولِ هَذَا عَنْ مَكْحُولٍ مُنْقَطِعًا وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَحْرَصُ لَوْ أُسْهِمَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ لِفَرَسَيْنِ أَنْ يَقُولَ بِهِ فَأَشْبَهُ إذَا خَالَفَهُ مَكْحُولٌ أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِيهِ مِنْهُ بِحِرْصِهِ عَلَى زِيَادَتِهِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُهُ مَقْطُوعًا لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فَهُوَ كَحَدِيثِ مَكْحُولٍ وَلَكِنَّا ذَهَبْنَا إلَى أَهْلِ الْمَغَازِي فَقُلْنَا إنَّهُمْ لَمْ يَرْوُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِثَلاَثَةِ أَفْرَاسٍ لِنَفْسِهِ السَّكْبِ وَالظَّرِبِ وَالْمُرْتَجِزِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ‏,‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى لاَ يُسْهَمُ لِصَبِيٍّ فِي الْغَنِيمَةِ‏,‏ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُسْهَمُ لَهُمْ وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ بِخَيْبَرَ لِصَبِيٍّ فِي الْغَنِيمَةِ وَأَسْهَمَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ لِكُلِّ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَا سَمِعْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِصَبِيٍّ وَإِنَّ هَذَا لَغَيْرِ مَعْرُوفٍ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَغَازِي مَا خَفِيَ عَلَيْنَا‏.‏ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَتَبَ إلَى نَجْدَةَ فِي جَوَابِ كِتَابِهِ‏:‏ كَتَبْت تَسْأَلُنِي عَنْ الصَّبِيِّ مَتَى يَخْرُجُ مِنْ الْيُتْمِ وَمَتَى يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمٍ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْيُتْمِ إذَا احْتَلَمَ وَيُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى حُدِّثْنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ شَكَّ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّبِيعُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ‏:‏ ‏{‏ابْنِ عُمَرَ قَالَ عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي‏}‏ قَالَ نَافِعٌ فَحَدَّثْت بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ فِي الْمُقَاتِلَةِ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لِإِجَازَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أُحُدٍ وَمَا أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فِي سَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ أَسْمَاءَ وَلَدَتْهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فِي حَجَّةِ الْإِسْلاَمِ فَثَبَتَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْفُتْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ غَزْوَهُمْ وَمُقَامَهُمْ فِيهِ كَانَ أَقَلَّ مُدَّةٍ مِنْ أَنْ يَتَفَرَّغُوا لِلنِّسَاءِ وَالْأَوْلاَدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ الْحُجَّةُ فِي هَذَا مِثْلُ الْحُجَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلُ فِي النِّسَاءِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ يُرْضَخُ لِلْغِلْمَانِ وَلاَ يُسْهَمُ لَهُمْ وَلاَ يُسْهَمُ لِلنِّسَاءِ وَيُرْضَخُ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُسْلِمُ ثُمَّ يَلْحَقُ بِعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُ لاَ يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمٍ إلَّا أَنْ يَلْقَى الْمُسْلِمُونَ قِتَالاً فَيُقَاتِلَ مَعَهُمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الشِّرْكِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى اللَّهِ وَإِلَى أَهْلِ الْإِسْلاَمِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوا غَنَائِمَهُمْ فَحَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إسْهَامُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَكِّرْ فِي قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ أَفْتَى فِي جَيْشٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَخَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَدَدًا لِلْجَيْشِ الَّذِي فِيهَا أَنَّهُمْ لاَ يُشْرَكُونَ فِي الْمَغَانِمِ وَقَالَ فِي هَذَا أَشْرِكْهُ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَمَا غَنِمُوا وَالْجَيْشُ الْمُسْلِمُونَ الْمَدَدُ الَّذِينَ شَدَّدُوا ظُهُورَهُمْ وَقَوَّوْا مِنْ ضَعْفِهِمْ وَكَانُوا رِدْءًا لَهُمْ وَعَوْنًا لاَ يُشْرِكُونَهُمْ وَيُشْرِكُ الَّذِي قَاتَلَهُمْ وَدَفَعَهُمْ عَنْ الْغَنِيمَةِ بِجَهْدِهِ وَقُوَّتِهِ حَتَّى أَعَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَسْلَمَ فَأَخَذَ نَصِيبَهُ‏.‏ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَشَدَّ هَذَا الْحُكْمَ وَالْقَوْلَ وَمَا نَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِمِثْلِ هَذَا وَبَلَغَنَا أَنَّ رَهْطًا أَسْلَمُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَقَنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى مَعْلُومٌ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْغَزَوَاتِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَبِهَذَا نَقُولُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ يَثْبُتُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ يَحْضُرُنِي حِفْظُهُ فَمَنْ شَهِدَ قِتَالاً ثُمَّ أَسْلَمَ فَخَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُشْرِكًا فَأَسْلَمَ أَوْ عَبْدًا فَأُعْتِقَ وَجَاءَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ شَرِكَ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَإِنْ لَمْ تُحْرَزْ الْغَنَائِمُ لَمْ يَشْرَكْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَشْرَكَ فِي الْغَنِيمَةِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْقِتَالَ وَيَكُونُ رِدْءًا لِأَهْلِ الْقِتَالِ غَازِيًا مَعَهُمْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِمَنْ قَارَبَ بِلاَدَ الْعَدُوِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ مَجْمُوعُونَ عَلَى الْغَوْثِ لِمَنْ دَخَلَ بِلاَدَ الْحَرْبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي التَّاجِرِ يَكُونُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَيَكُونُ فِيهَا الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَدْ أَسْلَمَ فَيَلْحَقَانِ جَمِيعًا بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَمَا يُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ أَنَّهُ لاَ يُسْهَمُ لَهُمَا إذْ لَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ قِتَالاً بَعْدَ لِحَاقِهِمَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُسْهَمُ لَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى وَكَيْفَ يُسْهَمُ لِهَذَيْنِ وَلاَ يُسْهَمُ لِلْجُنْدِ الَّذِينَ هُمْ رِدْءٌ لَهُمْ وَمَعُونَةٌ‏؟‏ مَا أَشَدَّ اخْتِلاَفَ هَذَا الْقَوْلِ‏,‏ وَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِهَؤُلاَءِ وَلَيْسُوا عِنْدَنَا مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فِي التَّاجِرِ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ يَلْتَقِيَانِ بِالْمُسْلِمِينَ لاَ يُسْهَمُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَلْقَيَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالاً فَيَشْتَرِكَانِ فِيمَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِنَا الْأَوَّلِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِأَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ هَذَا أَنْ يَقُولَهُ فِي الْمَدَدِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَدَدِ خِلاَفَهُ فَزَعَمَ أَنَّ الْمَدَدَ يُشْرِكُونَ الْجَيْشَ مَا لَمْ يَخْرُجْ بِالْغَنِيمَةِ مِنْ بِلاَدِ الْحَرْبِ فَإِنْ قَالَ عَلَى أُولَئِكَ عَنَاءٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَيْنِ فَقَدْ يَنْبَعِثُونَ مِنْ أَقْصَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِسَاعَةٍ وَلاَ يَجْعَلُ لَهُمْ شَيْئًا فَلَوْ جَعَلَ لَهُمْ ذَلِكَ بِالْعَنَاءِ جَعَلَهُ مَا لَمْ تُقْسَمْ الْغَنِيمَةُ وَلَوْ جَعَلَهُ بِشُهُودِ الْوَقْعَةِ كَمَا جَعَلَهُ فِي الْأَوَّلِينَ لَمْ يَجْعَلْهُ إلَّا بِشُهُودِ الْوَقْعَةِ فَهَذَا قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ وَيَأْخُذُ سَلَبَهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَضَتْ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مَنْ قَتَلَ عِلْجًا فَلَهُ سَلَبُهُ‏}‏ وَعَمِلَتْ بِهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ إلَى الْيَوْمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ إذَا نَفَلَ الْإِمَامُ أَصْحَابَهُ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ جَائِزٌ وَهَذَا النَّفَلُ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُنَفِّلْ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَلاَ يُنَفَّلُ أَحَدٌ دُونَ أَحَدٍ وَالْغَنِيمَةُ كُلُّهَا بَيْنَ جَمِيعِ الْجُنْدِ عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمَقَاسِمُ وَهَذَا أَوْضَحُ وَأَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْقَوْلُ فِيهَا مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَقُولُ قَوْلَهُ‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ‏:‏ ‏{‏مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ لاَ مُخَالِفَ لَهُ عَلِمْته عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ لِأَنَّهُ وَجَدَ سَلَبَ قَتِيلٍ أَبِي قَتَادَةَ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ هَذَا قَبْلَ الْحَرْبِ إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَالسَّلَبُ لِمَنْ قَتَلَ مُقْبِلاً فِي الْحَرْبِ مُبَارِزًا أَوْ غَيْرَ مُبَارِزٍ قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ وَهَذَا حُكْمٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُكْمُ مَنْ سَنَّهُ بَعْدَهُ قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَقَدْ قَالَهُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُسَمَّى بِشْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَالَ بَادَرْت رَجُلاً يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدٌ‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي الرَّجُلِ يَأْخُذُ الْعَلَفَ فَيَفْضُلُ مَعَهُ شَيْءٌ بَعْدَمَا يَخْرُجُ إلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ فَإِنْ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ لَمْ تُقَسَّمْ أَعَادَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ قُسِّمَتْ بَاعَهُ فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَخْرُجُونَ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ بِفَضْلِ الْعَلَفِ وَالطَّعَامِ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ وَيَقْدَمُونَ بِهِ عَلَى أَهْلِيهِمْ وَبِالْقَدِيدِ وَيُهْدِي بَعْضٌ إلَى بَعْضٍ لاَ يُنْكِرُهُ إمَامٌ وَلاَ يَعِيبُهُ عَالِمٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تُقَسَّمَ الْغَنَائِمَ أَلْقَى ثَمَنَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا عَمْرٍو مَا أَشَدَّ اخْتِلاَفَ قَوْلِك تُشَدِّدُ فِيمَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ السِّلاَحِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ إذَا كَانَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَتَنْهَى عَنْ السِّلاَحِ إلَّا فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ وَتُرَخِّصُ فِي أَنْ يَخْرُجَ بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ ثُمَّ يُهْدِيهِ إلَى صَاحِبِهِ هَذَا مُخْتَلِفٌ فَكَيْفَ ضَاقَ الْأَوَّلُ مَعَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ وَاتَّسَعَ هَذَا لَهُمْ وَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَالْقَلِيلُ مِنْ هَذَا وَالْكَثِيرُ مَكْرُوهٌ يُنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ‏؟‏ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ يَحِلُّ لِي مِنْ فَيْئِكُمْ وَلاَ هَذِهِ وَأَخَذَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِ بَعِيرٍ إلَّا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ بِكُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ‏:‏ هَبْ هَذَا إلَيَّ أَخِيطُ بَرْذَعَةَ بَعِيرٍ لِي أَدْبَرَ فَقَالَ أَمَّا نَصِيبِي مِنْهُ فَهُوَ لَك فَقَالَ إذَا بَلَغْت هَذَا فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا‏.‏ وَقَدْ بَلَغَنَا نَحْوٌ مِنْ هَذَا مِنْ الْآثَارِ وَالسُّنَّةِ الْمَحْفُوظَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَكَيْفَ يُرَخِّصُ أَبُو عَمْرٍو فِي الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ يُنْتَفَعُ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ يُضَيِّقُ أَبُو عَمْرٍو فِي السِّلاَحِ وَيُوَسِّعُ فِي الطَّعَامِ فَإِنَّ أَبَا عَمْرٍو لَمْ يَأْخُذْ الْفَرْقَ بَيْنَ السِّلاَحِ وَالطَّعَامِ مِنْ رَأْيِهِ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏,‏ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ السُّنَّةِ وَمَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ مِنْ جَوَازِ الطَّعَامِ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ أَنْ يَأْكُلَهُ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ قَدَرَ عَلَى سِلاَحٍ وَكُرَاعٍ غِنًى عَنْهُ أَنْ يَرْكَبَ وَلاَ يَتَسَلَّحَ السِّلاَحَ وَبِكُلِّ هَذَيْنِ مَضَتْ السُّنَّةُ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الَّذِي قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِفَضْلِ الطَّعَامِ لِلْقِيَاسِ إذَا كَانَ يَأْخُذُ الطَّعَامَ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ فَيَكُونُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْجَيْشِ فَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ إنَّمَا فَضَلَ مِنْ شَيْءٍ قَدْ كَانَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بِلاَدِ الْعَدُوِّ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهُ إلَّا أَدَاؤُهُ إلَى الْمَغْنَمِ لِأَنَّهُ لِلْجَيْشِ كُلِّهِمْ وَلِأَهْلِ الْخُمُسِ لاَ يُخْرِجُهُ مِنْهُ التَّصَدُّقُ بِهِ لِأَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ لاَ أَجِدُ أَهْلَ الْجَيْشِ وَوَجَدَ أَمِيرَ الْجَيْشِ أَوْ الْخَلِيفَةَ أَدَّاهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى الْجَارِيَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُقْرُ وَالْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلاَ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ‏.‏ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَكَانَ مَنْ سَلَفَ مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ عَلَيْهِ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ مِائَةُ جَلْدَةٍ وَمَهْرُ قِيمَةٍ عَدْلٍ وَيُلْحِقُونَهَا وَوَلَدَهَا بِهِ لِمَكَانِهِ الَّذِي لَهُ فِيهَا مِنْ الشِّرْكِ‏.‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ عَلَى مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَفِيهَا الْعُقْرُ‏.‏ بَلَغَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي جَارِيَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ‏.‏ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ إنْ يُخْطِئْ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ فَإِذَا وَجَدْتُمْ لِمُسْلِمٍ مَخْرَجًا فَادْرَءُوا عَنْهُ الْحَدَّ‏}‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى‏:‏ وَبَلَغَنَا نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ زَانِيًا فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ إنْ كَانَ مُحْصَنًا وَالْجَلْدُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَلاَ يُلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ‏:‏ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ‏}‏ وَالْعَاهِرُ الزَّانِي وَلاَ يَثْبُتُ نَسَبُ الزَّانِي أَبَدًا وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَهُوَ زَانٍ أَرَأَيْت رَجُلاً زَنَى بِامْرَأَةٍ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ وَأَمْضَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْحَدَّ أَيَكُونُ عَلَيْهِ مَهْرٌ وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ‏؟‏ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَجَمَ غَيْرَ وَاحِدٍ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله تعالى عنهما وَالسَّلَفِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْحُدُودَ عَلَى الزُّنَاةِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَضَى مَعَ ذَلِكَ بِمَهْرٍ وَلاَ أَثْبَتَ مِنْهُ نَسَبَ الْوَلَدِ حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لاَ يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالصَّدَاقُ‏,‏ الصَّدَاقُ دَرْءُ الْحَدِّ وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله تعالى عنهما فِي غَيْرِ حَدِيثٍ فِي الْمَرْأَةِ يُؤْتَى بِهَا وَقَدْ فَجَرَتْ فَتَقُولُ جُعْت فَأَعْطَانِي وَتَقُولُ الْأُخْرَى عَطِشْت فَسَقَانِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَقُولُ هَذَا وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي وَطِئَ الْجَارِيَةَ لَهُ نَصِيبٌ فِيهَا فَذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يُدْرَأَ عَنْهُ الْحَدُّ أَرَأَيْت الَّذِي وَطِئَ الْجَارِيَةَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ لَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَ السَّبْيِ أَكَانَ يَجُوزُ عِتْقُهُ فِيهِمْ وَلاَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ فَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ يَجُوزُ فِي جَمَاعَتِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ حَيْثُ جَعَلَ غَنِيمَةَ الْمُسْلِمِينَ مَوْلًى لِرَجُلٍ وَاحِدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَمَا عَلِمْت أَنَّ أَبَا يُوسُفَ احْتَجَّ بِحَرْفٍ مِنْ هَذَا إلَّا عَلَيْهِ زَعَمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَقَعَ بِالْجَارِيَةِ مِنْ السَّبْيِ لاَ يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ نَسَبٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَهْرٌ لِأَنَّهُ زِنًا وَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَلَى الْجَارِيَةِ لَهُ فِيهَا شِرْكٌ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى الْجَارِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرِ عَلَيْهِ الْعُقْرُ وَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَنَحْنُ وَهُوَ نُلْحِقُ الْوَلَدَ بِهِ فَلَوْ قَاسَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى الْوَاقِعَ عَلَى الْجَارِيَةِ مِنْ الْجَيْشِ عَلَى الْوَاقِعِ عَلَى الْجَارِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَحِقَ النَّسَبَ وَجَعَلَ عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ‏,‏ وَإِنْ جَعَلَهُ زَانِيًا كَمَا قَالَ لَزِمَهُ أَنْ يَحُدَّهُ إنْ كَانَ ثَيِّبًا حَدَّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ‏,‏ وَحَدَّهُ حَدَّ الْبِكْرِ إنْ كَانَ بِكْرًا فَجَعَلَهُ زَانِيًا غَيْرَ زَانٍ وَقِيَاسًا عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَاسَهَا عَلَيْهِ وَالْأَوْزَاعِيُّ ذَهَبَ فِي أَدْنَى الْحَدَّيْنِ إلَى شَيْءٍ‏.‏ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه فِي مَوْلاَةٍ لِحَاطِبٍ زَنَتْ فَاسْتَهَلَّتْ بِالزِّنَا فَرَأَى أَنَّهَا تَجْهَلُهُ وَهِيَ ثَيِّبٌ فَضَرَبَهَا مِائَةً وَهِيَ ثَيِّبٌ وَمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ الْجَيْشِ لَوْ أَعْتَقَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا لاَ يَقُولُ فِي عِتْقِ الرَّجُلِ مِنْ الْجَيْشِ قَوْلاً مُسْتَقِيمًا فَزَعَمَ أَنَّ الْجَيْشَ إذَا أَحْرَزُوا الْغَنِيمَةَ فَأَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ الْجَيْشِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِمْ شِرْكٌ لِأَنَّهُ اسْتِهْلاَكٌ وَيَقُولُ فَإِنْ قُسِّمُوا بَيْنَ أَهْلِ كُلِّ رَايَةٍ فَأَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الرَّايَةِ جَازَ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فَجَعَلَهُ مَرَّةً شَرِيكًا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَأُخْرَى شَرِيكًا لاَ يَجُوزُ عِتْقُهُ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي الْمَرْأَةِ إذَا سُبِيَتْ ثُمَّ سُبِيَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا بِيَوْمٍ وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَا كَانَا فِي الْمَقَاسِمِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ فَشَاءَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا جَمَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ زَوَّجَهَا لِغَيْرِهِ بَعْدَمَا يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ عَلَى ذَلِكَ مَضَى الْمُسْلِمُونَ وَنَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا وَأَزْوَاجُهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وأحرزوهم دُونَ أَزْوَاجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لاَ تُوطَأُ الْحَبَالَى مِنْ الْفَيْءِ حَتَّى يَضَعْنَ وَلاَ الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ حَيْضَةٍ‏}‏ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ سُبِيَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا وَصَارَا مَمْلُوكَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الْغَنِيمَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَكَيْفَ يَجْمَعُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ فِي قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ فَهُوَ إذَا كَانَ صَحِيحًا فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَحَدًا غَيْرَهُ وَلاَ يَطَؤُهَا هُوَ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ قَدْ انْتَقَضَ فَلَيْسَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ ‏{‏سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيَ أَوْطَاسٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَأَسَرَ مِنْ رِجَالِ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ وَقَسَّمَ السَّبْيَ وَأَمَرَ أَنْ لاَ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلاَ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلاَ غَيْرِهَا وَلاَ هَلْ سُبِيَ زَوْجٌ مَعَ امْرَأَتِهِ وَلاَ غَيْرُهُ وَقَالَ وَإِذَا اُسْتُؤْمِنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَاسْتُبْرِئَتْ أَرْحَامُهُنَّ بِحَيْضَةٍ‏}‏ فَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ تَصْيِيرَهُنَّ إمَاءً بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَطْعٌ لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَلَيْسَ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ بِأَكْثَرَ مِنْ اسْتِئْمَانِهِنَّ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِنَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَبُو يُوسُفَ قَدْ خَالَفَ الْخَبَرَ وَالْمَعْقُولَ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ بَلْ انْتَظِرْ بِاَلَّتِي سُبِيَتْ أَنْ يَخْلُوَ رَحِمُهَا فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا وَأَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْبَ مَعَهَا كَانَا عَلَى النِّكَاحِ وَإِلَّا حَلَّتْ وَلاَ أَنْتَظِرُ بِاَلَّتِي سُبِيَ مَعَهَا زَوْجُهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءَ ثُمَّ أُصِيبُهَا لِأَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أُرِقَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَحَالُ حُكْمِهِ كَمَا حَالُ حُكْمِهَا أَمَا كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ‏.‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى وَإِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا فَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ ثُمَّ أُخْرِجَ الْآخَرُ بَعْدَهُ فَلاَ نِكَاحَ بَيْنَهُمَا‏.‏ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ أَدْرَكَهَا زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ اسْتَرَدَّهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ‏:‏ ‏{‏كَانَ قَدْ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ نِسْوَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ الْعِدَّةُ فَرَدَّهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ‏}‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ هَذَا يَنْقُضُ قَوْلَ الْأَوَّلِ زَعَمَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا إلَى زَوْجِهَا وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ وَطِئَهَا وَهِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدُ‏.‏ وَزَعَمَ أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى زَوْجِهَا وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فَكَيْفَ اسْتَحَلَّ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَقَعَ السِّبَاءُ وَأُخْرِجَ بِهِنَّ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فِي السَّبَايَا أَنْ لاَ تُوطَأَ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلاَ الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ كَانَ أَزْوَاجُهُنَّ أَحَقَّ بِهِنَّ فِيهَا إنْ جَاءُوا وَلَمْ يَأْمُرْ بِوَطْئِهِنَّ فِي عِدَّةٍ وَالْعِدَّةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ وَلاَ حَقَّ لِأَزْوَاجِهِنَّ فِيهِنَّ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَبْرِئُونَهُنَّ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلاَفٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَهَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَأْبَقُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَدْرَكَهُ سَيِّدُهُ فِي الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَهَا أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَسَرُوهُ فَأَصَابَهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ أَصَابَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ أَبَقَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُسْلِمٌ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ رَدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَإِنْ أَبَقَ وَهُوَ كَافِرٌ خَرَجَ مِنْ سَيِّدِهِ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ وَأَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ وَلَوْ كَانَ أُخِذَ أَسِيرًا لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ وَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَرْجِعْ هَذَا الْعَبْدُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَحُوزَ الْمُشْرِكُونَ الْعَبْدَ إلَيْهِمْ كَمَا يَحُوزُونَ الْعَبْدَ الَّذِي اشْتَرَوْهُ‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الصَّلْبِ فَلَمْ تَمْضِ بِهَذَا سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا نَعْلَمُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذَا وَإِنَّمَا الصَّلْبُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ‏.‏ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبْدٍ وَبَعِيرٍ أَحْرَزَهُمَا الْعَدُوُّ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِهِمَا إنْ أَصَبْتهمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُمَا لَك‏}‏ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي عَبْدٍ أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ‏.‏ قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَعْقِدُ عَلَيْهِمْ أَوَّلُهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ لُقَطَاؤُهُمْ‏}‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَهَذَا عِنْدَنَا عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ وَشِبْهِهِ‏.‏ وَقَوْلُهُ وَيَرُدُّ مُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ فَهَذَا عِنْدَنَا فِي الْجَيْشِ إذَا غَنِمَتْ السَّرِيَّةُ رَدَّ الْجَيْشُ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْقُعَّدِ فِيهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الَّذِي يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ وَقَدْ أَحْرَزُوهُ وَمَلَكُوهُ فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَالْقَوْلُ فِيهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا أَبَقَ إلَيْهِمْ فَهَذَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ أَلاَ تَرَى أَنَّ عَبِيدَ الْمُسْلِمِينَ لَوْ حَارَبُوا الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ عَلَى الْإِسْلاَمِ لَمْ يَلْحَقُوا بِالْعَدُوِّ فَقَاتَلُوا وَهُمْ مُقِرُّونَ بِالْإِسْلاَمِ فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُمْ أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى مَوَالِيهِمْ فَأَمَّا الصَّلْبُ فَلَيْسَ يَدْخُلُ فِيمَا هَهُنَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ إنْ أَبَقَ إلَى الْعَدُوِّ‏;‏ وَالْعَبْدِ يُحْرِزُهُ الْعَدُوُّ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهُمَا لِسَيِّدِهِمَا إذَا ظَفِرَ بِهِمَا وَحَالُهُمْ قَبْلُ يُقَسَّمَانِ وَحَالُهُمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَهُمَا قَبْلَ الْقَسْمِ أَخَذَهُمَا بَعْدَهُ وَقَدْ قَالَ هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِثَمَنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرَ إلَّا بِثَمَنٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ السَّبْيُ رِجَالاً وَنِسَاءً وَأُخْرِجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُبَاعُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيَتَقَوَّوْا‏.‏ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لاَ يَرَوْنَ بِبَيْعِ السَّبَايَا بَأْسًا وَكَانُوا يَكْرَهُونَ بَيْعَ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَلاَ صَبِيٌّ وَلاَ امْرَأَةٌ لِأَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَأَكْرَهُ أَنْ يُرَدُّوا إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ الصِّبْيَانِ صَبِيٌّ لَيْسَ مَعَهُ أَبَوَاهُ وَلاَ أَحَدُهُمَا صَلَّيْت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَفِي دَارِهِمْ وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَقَدْ صَارُوا فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ فَأَكْرَهُ أَنْ يُرَدُّوا إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَرَأَيْت تَاجِرًا مُسْلِمًا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ بِرَقِيقٍ لِلْمُسْلِمِينَ كُفَّارٍ أَوْ رَقِيقٍ مِنْ رَقِيقِ أَهْلِ الذِّمَّةِ رِجَالاً وَنِسَاءً أَكُنْت تَدَعُهُ وَذَلِكَ‏؟‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَكَثَّرُونَ وَتَعْمُرُ بِلاَدُهُمْ أَلاَ تَرَى أَنِّي لاَ أَتْرُكُ تَاجِرًا يَدْخُلُ إلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ السِّلاَحِ وَالْحَدِيدِ وَشَيْءٍ مِنْ الْكُرَاعِ مِمَّا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ فِي الْقِتَالِ أَلاَ تَرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ صَارُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ فِي مُلْكِهِمْ وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَنُوا وَلاَ يُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُقَرِّبُ إلَى الْفِتْنَةِ وَأَمَّا مُفَادَاةُ الْمُسْلِمِ بِهِمْ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى إذَا سَبَى الْمُسْلِمُونَ رِجَالاً وَنِسَاءً وَصِبْيَانُهُمْ مَعَهُمْ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلاَ بَأْسَ فِي الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ بِأَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ يُفَادِيَ بِهِمْ وَيُؤْخَذَ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُخْلُوا وَاَلَّذِي قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ هَذَا خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُسَارَى يَوْمِ بَدْرٍ فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ وَأَخَذَ الْفِدْيَةَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَمَنَّ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ أَسَرَ بَعْدَهُمْ بِدَهْرٍ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ فَمَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْرِكٌ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ وَمَنَّ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ وَوَهَبَ الزُّبَيْرَ بْنَ بَاطَا لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ لِيَمُنَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَ الزُّبَيْرُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ فَبَعَثَ بِثُلُثٍ إلَى نَجْدٍ وَثُلُثٍ إلَى تِهَامَةَ وَثُلُثٍ قِبَلَ الشَّامِ فَبِيعُوا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَفَدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً بِرَجُلَيْنِ‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلاً بِرَجُلَيْنِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَّا الصِّبْيَانُ إذَا صَارُوا إلَيْنَا لَيْسَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَحَدُ وَالِدَيْهِ فَلاَ نَبِيعُهُمْ مِنْهُمْ وَلاَ يُفَادَى بِهِمْ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ مَا كَانُوا مَعَهُمْ فَإِذَا تَحَوَّلُوا إلَيْنَا وَلاَ وَالِدَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَالِكِهِ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ يَقْوَى بِهِمْ أَهْلُ الْحَرْبِ فَقَدْ يَمُنُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِسْلاَمِ وَيَدْعُونَ إلَيْهِ فَيَمُنُّ عَلَى غَيْرِهِمْ بِهِمْ وَهَذَا مِمَّا يَحِلُّ لَنَا أَرَأَيْت صِلَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالْمَالِ وَإِطْعَامَهُمْ الطَّعَامَ أَلَيْسَ بِأَقْوَى لَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحَالاَتِ مِنْ بَيْعِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ مِنْهُمْ وَقَدْ‏:‏ ‏{‏أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ إنَّ أُمِّي أَتَتْنِي وَهِيَ رَاغِبَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ أَفَأَصِلُهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏}‏ وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه فَكَسَا ذَا قَرَابَةٍ لَهُ بِمَكَّةَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا‏}‏ مَعَ مَا وَصَفْت مِنْ بَيْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَمَّا الْكُرَاعُ وَالسِّلاَحُ فَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِي بَيْعِهِمَا وَهُوَ لاَ يُجِيزُ أَنْ نَبِيعَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ أَسْرَى فَأَخْرَجُوهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ رِجَالاً وَنِسَاءً وَصِبْيَانًا وَصَارُوا فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ اثْنَانِ قَدْ كُنَّا أَمَّنَّاهُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا أَنَّهُمْ لاَ يُصَدَّقُونَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنْ فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ هُمْ مُصَدَّقُونَ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَانُهُمْ جَائِزٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏يَعْقِدُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ إنْ جَاءَ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَلاَ أَمَانَ لَهُمْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَانٍ وَوُجُوهٌ لاَ يُبْصِرُهَا إلَّا مَنْ أَعَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَنَا يَعْقِدُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوَّلُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ الْقَوْمُ يَغْزُونَ قَوْمًا فَيَلْتَقُونَ فَيُؤَمِّنُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُشْرِكِينَ أَوْ يُصَالِحُهُمْ عَلَى أَنْ يَكُونُوا ذِمَّةً فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا‏:‏ ‏{‏أَمَّنَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ وَأَجَازَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏ فَأَمَّا غَنِيمَةً أَحْرَزَهَا الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَدْ كُنْت أَمَّنْتهمْ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُ لاَ يُصَدَّقُ وَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَأَيْت إنْ كَانَ إذَا غَزَا فَاسِقًا غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَى قَوْلِهِ أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَقَالَتْ ذَلِكَ تُصَدَّقُ أَرَأَيْت إنْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدٌ أَوْصَى أَرَأَيْت إنْ قَالَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ اسْتَعَانَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فِي حَرْبِهِمْ لَهُ فِيهِمْ أَقْرِبَاءُ أَيُصَدَّقُ أَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَهُ فِيهِمْ قَرَابَاتٌ أَيُصَدَّقُ فَلَيْسَ يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ وَهَلْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَعْقِدُ لَهُمْ أَدْنَاهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا مُفَسَّرًا هَكَذَا قَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفًا لِهَذَا عَنْ الثِّقَةِ‏:‏ ‏{‏ادَّعَى رَجُلٌ وَهُوَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَرَى عَلَيْهِ الْفِدَاءُ وَأُخِذَ مَا كَانَ مَعَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يَحْسُبْ لَهُ مِنْ الْفِدَاءِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ أَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْ أَمْرِك فَكَانَ عَلَيْنَا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى حَالُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مُخَالَفَةُ حَالِهِمْ بَعْدَمَا يَمْلِكُونَهُمْ فَإِذَا قَالَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَوْ امْرَأَةٌ قَدْ أَمَّنْتهمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ تُخْرِجُهُمْ مِنْ أَيْدِي مَالِكِيهِمْ وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَكِنْ إنْ قَامَ شَاهِدَانِ فَشَهِدَا أَنَّ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَمَّنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا أَسْرَى فَهُمْ آمِنُونَ أَحْرَارٌ وَإِذَا أَبْطَلْنَا شَهَادَةَ الَّذِي أَمَّنَهُمْ فَحَقُّهُ مِنْهُمْ بَاطِلٌ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ وَقَدْ زَعَمَ أَنْ لاَ مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ‏,‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

حَالُ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ وَفِيهِمْ أَطْفَالُهُمْ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا حَصَرَ الْمُسْلِمُونَ عَدُوَّهُمْ فَقَامَ الْعَدُوُّ عَلَى سُورِهِمْ مَعَهُمْ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ يَتَتَرَّسُونَ بِهِمْ قَالَ يَرْمُونَهُمْ بِالنَّبْلِ وَالْمَنْجَنِيقِ يَعْمِدُونَ بِذَلِكَ أَهْلَ الْحَرْبِ وَلاَ يَتَعَمَّدُونَ بِذَلِكَ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَكُفُّ الْمُسْلِمُونَ عَنْ رَمْيِهِمْ فَإِنْ بَرَزَ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَمَوْهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ‏}‏ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الآيَةِ فَكَيْفَ يَرْمِي الْمُسْلِمُونَ مَنْ لاَ يَرَوْنَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى تَأَوَّلَ الْأَوْزَاعِيُّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي غَيْرٍ وَلَوْ كَانَ يَحْرُمُ رَمْيُ الْمُشْرِكِينَ وَقِتَالُهُمْ إذَا كَانَ مَعَهُمْ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ لَحَرُمَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْهُمْ إذَا كَانَ مَعَهُمْ أَطْفَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالصِّبْيَانِ وَقَدْ حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ وَأَهْلَ خَيْبَرَ وَقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَأَجْلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فِيمَا بَلَغَنَا أَشَدَّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ نَصَبَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ الْمَنْجَنِيقَ فَلَوْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْكَفُّ عَنْ الْمُشْرِكِينَ إذَا كَانَ فِي مَيْدَانِهِمْ الْأَطْفَالُ لَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهِمْ لَمْ يُقَاتَلُوا لِأَنَّ مَدَائِنَهُمْ وَحُصُونَهُمْ لاَ تَخْلُو مِنْ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْفَانِي وَالصَّغِيرِ وَالْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ وَهَذَا مِنْ أَمْرِ الطَّائِفِ وَغَيْرِهَا مَحْفُوظٌ مَشْهُورٌ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَتِهِ‏,‏ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُصُونِ الْأَعَاجِمِ قَبْلَنَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَفَّ عَنْ حِصْنٍ بِرَمْيٍ وَلاَ غَيْرِهِ مِنْ الْقُوَّةِ لِمَكَانِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلِمَكَانِ مَنْ لاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ لِمَنْ ظَهَرَ مِنْهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَمَّا مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ وَالرُّهْبَانُ وَمَنْ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ فَإِنَّ‏:‏ ‏{‏رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارَيْنِ فِي نَعَمِهِمْ‏.‏ وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ هُمْ مِنْهُمْ‏}‏ يَعْنِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدَّارَ مُبَاحَةٌ لِأَنَّهَا دَارُ شِرْكٍ وَقِتَالُ الْمُشْرِكِينَ مُبَاحٌ‏,‏ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الدَّمُ بِالْإِيمَانِ كَانَ الْمُؤْمِنُ فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ دَارِ إسْلاَمٍ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إذَا قُتِلَ الْكَفَّارَةَ وَتُمْنَعُ الدَّارُ مِنْ الْغَارَةِ إذَا كَانَتْ دَارَ إسْلاَمٍ أَوْ دَارَ أَمَانٍ بِعَقْدٍ يَعْقِدُ عَقْدَهُ الْمُسْلِمُونَ لاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهَا‏,‏ وَلَهُ أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَ مَنْ حَلَّ دَمُهُ بِغَيْرِ غَارَةٍ عَلَى الدَّارِ فَلَمَّا كَانَ الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ وَإِنْ نَهَى عَنْ قَتْلِهِمْ لاَ مَمْنُوعِي الدِّمَاءِ بِإِسْلاَمِهِمْ وَلاَ إسْلاَمِ آبَائِهِمْ وَلاَ مَمْنُوعِي الدِّمَاءِ بِأَنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا نَهَى عَنْ قَصْدِ قَتْلِهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ إذَا عُرِفَ مَكَانُهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ فَإِغَارَتُهُ وَأَمْرُهُ بِالْغَارَةِ وَمَنْ أَغَارَ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ أَنْ يُصِيبَ وَقَوْلُهُ هُمْ مِنْهُمْ يَعْنِي أَنْ لاَ كَفَّارَةَ فِيهِمْ أَيْ أَنَّهُمْ لَمْ يُحْرِزُوا بِالْإِسْلاَمِ وَلاَ الدَّارِ وَلاَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْته أَنَّ مَنْ أَصَابَهُمْ فِي الْغَارَةِ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَحَرَامُ الدَّمِ حَيْثُ كَانَ وَمَنْ أَصَابَهُ أَثِمَ بِإِصَابَتِهِ إنْ عَمَدَهُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ عَرَفَهُ فَعَمَدَ إلَى إصَابَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ إنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَأَصَابَهُ وَسَبَبُ تَحْرِيمِ دَمِ الْمُسْلِمِ غَيْرُ تَحْرِيمِ دَمِ الْكَافِرِ الصَّغِيرِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُمَا مُنِعَا مِنْ الْقَتْلِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ وَاَلَّذِي نَرَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مُنِعَا لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلاَ فَيَصِيرَا رَقِيقَيْنِ أَنْفَعُ مِنْ قَتْلِهِمَا لِأَنَّهُ لاَ نِكَايَةَ لَهُمَا فَيُقْتَلاَنِ لِلنِّكَايَةِ فَإِرْقَاقُهُمَا أَمْثَلُ مِنْ قَتْلِهِمَا‏,‏ وَاَلَّذِي تَأَوَّلَ الْأَوْزَاعِيُّ يَحْتَمِلُ مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَفُّهُ عَنْهُمْ بِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ أَنَّهُ أَسْلَمَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ طَائِعِينَ وَاَلَّذِي قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَحَبُّ إلَيْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِنَا ضَرُورَةٌ إلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحِصْنِ وَإِذَا كُنَّا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ لاَ نُقَاتِلَ أَهْلَ حِصْنٍ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ كَانَ تَرْكُهُمْ إذَا كَانَ فِيهِمْ الْمُسْلِمُونَ أَوْسَعَ وَأَقْرَبَ مِنْ السَّلاَمَةِ مِنْ الْمَأْثَمِ فِي إصَابَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ وَلَكِنْ لَوْ اُضْطُرِرْنَا إلَى أَنْ نَخَافَهُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا إنْ كَفَفْنَا عَنْ حَرْبِهِمْ قَاتَلْنَاهُمْ وَلَمْ نَعْمَدْ قَتْلَ مُسْلِمٍ فَإِنْ أَصَبْنَاهُ كَفَّرْنَا وَمَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الضَّرُورَةُ فَتَرْكُ قِتَالِهِمْ أَقْرَبُ مِنْ السَّلاَمَةِ وَأَحَبُّ إلَيَّ‏.‏

مَا جَاءَ فِي أَمَانِ الْعَبْدِ مَعَ مَوْلاَهُ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا كَانَ الْعَبْدُ يُقَاتِلُ مَعَ مَوْلاَهُ جَازَ أَمَانُهُ وَإِلَّا فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَمَانُهُ جَائِزٌ أَجَازَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَلَمْ يَنْظُرْ كَانَ يُقَاتِلُ أَمْ لاَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْعَبْدِ‏:‏ الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لِعَبْدٍ أَمَانٌ وَلاَ شَهَادَةٌ فِي قَلِيلٍ وَلاَ كَثِيرٍ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَلاَ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَلاَ يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ أَمَانٌ يَجُوزُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِعْلُهُ لاَ يَجُوزُ عَلَى نَفْسِهِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَبْدًا كَافِرًا وَمَوْلاَهُ مُسْلِمٌ هَلْ يَجُوزُ أَمَانُهُ أَرَأَيْت إنْ كَانَ عَبْدًا لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ بِأَمَانٍ وَأَسْلَمَ ثُمَّ أَمَّنَ أَهْلَ الْحَرْبِ جَمِيعًا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ‏؟‏ أَرَأَيْت إنْ كَانَ عَبْدًا مُسْلِمًا وَمَوْلاَهُ ذِمِّيٌّ فَأَمَّنَ أَهْلَ الْحَرْبِ هَلْ يَجُوزُ أَمَانُهُ ذَلِكَ‏؟‏ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنَّا مُحَاصِرِي حِصْنِ قَوْمٍ فَعَمَدَ عَبْدٌ لِبَعْضِهِمْ فَرَمَى بِسَهْمٍ فِيهِ أَمَانٌ فَأَجَازَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه فَهَذَا عِنْدَنَا مُقَاتِلٌ عَلَى ذَلِكَ يَقَعُ الْحَدِيثُ وَفِي النَّفْسِ مِنْ إجَازَتِهِ أَمَانَهُ إنْ كَانَ يُقَاتِلُ مَا فِيهَا لَوْلاَ هَذَا الْأَثَرُ مَا كَانَ لَهُ عِنْدَنَا أَمَانٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ أَلاَ تَرَى الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ‏}‏ وَهُوَ عِنْدَنَا فِي الدِّيَةِ إنَّمَا هُمْ سَوَاءٌ وَدِيَةُ الْعَبْدِ لَيْسَتْ دِيَةَ الْحُرِّ وَرُبَّمَا كَانَتْ دِيَتُهُ لاَ تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَحْرَارِ وَلاَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ مَعَ دِمَاءِ الْأَحْرَارِ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَبَوْا سَبْيًا فَأَمَّنَ صَبِيٌّ مِنْهُمْ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ بِالْإِسْلاَمِ وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَهْلَ الشِّرْكِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا لاَ يَجُوزُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ مَعْنَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لاَ يُثْبِتُ إبْطَالَ أَمَانِ الْعَبْدِ وَلاَ إجَازَتِهِ أَرَأَيْت حُجَّتَهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ‏}‏ أَلَيْسَ الْعَبْدُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ أَدْنَى الْمُؤْمِنِينَ أَوْ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه حِينَ أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ وَلَمْ يَسْأَلْ يُقَاتِلُ أَوْ لاَ يُقَاتِلُ أَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ رَأَيْت حُجَّتَهُ بِأَنَّ دَمَهُ لاَ يُكَافِئُ دَمَهُ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَنَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مُكَافَأَةَ الدَّمِ بِالدِّيَةِ فَالْعَبْدُ الَّذِي يُقَاتِلُ هُوَ عِنْدَهُ قَدْ يَبْلُغُ هُوَ بِدِيَتِهِ دِيَةَ حُرٍّ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمِ وَيَجْعَلُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَمَانُ يَجُوزُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلاَمِ فَالْعَبْدُ يُقَاتِلُ خَارِجًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُجِيزُهُ عَلَى الْإِسْلاَمِ فَالْعَبْدُ لاَ يُقَاتِلُ دَاخِلاً فِي الْإِسْلاَمِ وَإِنْ كَانَ يُجِيزُهُ عَلَى الْقِتَالِ فَهُوَ يُجِيزُ أَمَانَ الْمَرْأَةِ وَهِيَ لاَ تُقَاتِلُ وَأَمَانُ الرَّجُلِ الْمَرِيضِ وَالْجَبَانِ وَهُوَ لاَ يُقَاتِلُ وَمَا عَلِمْته بِذَلِكَ يَحْتَجُّ إلَّا لِلْأَوْزَاعِيِّ عَلَى نَفْسِهِ وَصَاحِبِهِ حَتَّى سَكَتَ وَإِنْ كَانَ يُجِيزُ الْأَمَانَ عَلَى الدِّيَاتِ انْبَغَى أَنْ لاَ يُجِيزَ أَمَانَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ دِيَتَهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ‏,‏ وَالْعَبْدُ لاَ يُقَاتِلُ يَكُونُ أَكْثَرَ دِيَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا مِنْ الْحُرَّةِ أَضْعَافًا فَإِنْ قَالَ هَذَا لِلْمَرْأَةِ دِيَةٌ فَكَذَلِكَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ دِيَةٌ فَإِنْ أَرَادَ مُسَاوَاتَهُمَا بِثَمَنِ الْحُرِّ فَالْعَبْدُ يُقَاتِلُ يَسْوَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا عِنْدَهُ جَائِزُ الْأَمَانِ وَالْعَبْدُ لاَ يُقَاتِلُ ثَمَنَ عَشَرَةِ آلاَفٍ إلَّا عَشَرَةً غَيْرُ جَائِزَةٍ وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ عَنْ الْمَرْأَةِ‏.‏

وَطْءُ السَّبَايَا بِالْمِلْكِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَدْ قَالَ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَأَصَابَ رَجُلٌ جَارِيَةً لاَ يَطَؤُهَا مَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ‏:‏ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَهَذَا حَلاَلٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَطِئُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابُوا مِنْ السَّبَايَا فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَبْلَ أَنْ يَقْفِلُوا وَلاَ يَصْلُحُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ سَرِيَّةً مَا أَصَابَتْ وَلاَ يُنَفِّلَ سِوَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ مَا أَعْظَمَ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ فِي قَوْلِهِ هَذَا حَلاَلٌ مِنْ اللَّهِ أَدْرَكْت مَشَايِخَنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ فِي الْفُتْيَا أَنْ يَقُولُوا هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ إلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيِّنًا بِلاَ تَفْسِيرٍ‏.‏ حَدَّثَنَا ابْنُ السَّائِبِ عَنْ رَبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قَالَ إيَّاكُمْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إنَّ اللَّهَ أَحَلَّ هَذَا أَوْ رَضِيَهُ فَيَقُولَ اللَّهُ لَهُ لَمْ أُحِلَّ هَذَا وَلَمْ أَرْضَهُ‏,‏ وَيَقُولَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَيَقُولَ اللَّهُ كَذَبْت لَمْ أُحَرِّمْ هَذَا وَلَمْ أَنَّهُ عَنْهُ‏.‏ وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَفْتَوْا بِشَيْءٍ أَوْ نَهَوْا عَنْهُ قَالُوا هَذَا مَكْرُوهٌ وَهَذَا لاَ بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا نَقُولُ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ فَمَا أَعْظَمَ هَذَا‏.‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ مِنْ الْوَطْءِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ خَصْلَةٍ يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ مِنْ السَّبْيِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوهُ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ‏.‏ أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُوطَأَ السَّبْيُ مِنْ الْفَيْءِ فِي دَارِ الْحَرْبِ‏.‏ أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ سَيْفَ ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالْخُمُسِ‏}‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَرَأَيْت رَجُلاً أَغَارَ وَحْدَهُ فَأَرَقَّ جَارِيَةً أَيُرَخَّصُ لَهُ فِي وَطْئِهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ وَلَمْ يُحْرِزْهَا‏؟‏ فَكَذَلِكَ الْبَابُ الْأَوَّلُ‏.‏ وَأَمَّا النَّفَلُ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ بَعْدَ الْخُمُسِ فَقَدْ نَقَضَهُ بِمَا رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبْعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ هَذَا بَعْدَ الْخُمُسِ وَصَدَقَ وَقَدْ بَلَغَنَا هَذَا وَلَيْسَ فِيهِ الْخُمُسُ فَأَمَّا النَّفَلُ قَبْلَ الْخُمُسِ فَقَدْ‏:‏ ‏{‏نَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِيمَةَ بَدْرٍ فِيمَا بَلَغَنَا قَبْلَ أَنْ تُخَمَّسَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ الْفَيْءَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَدَفَعَ إلَى رَجُلٍ فِي سَهْمِهِ جَارِيَةً فَاسْتَبْرَأَهَا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا وَبِلاَدُ الْحَرْبِ لاَ تُحَرِّمُ الْحَلاَلَ مِنْ الْفُرُوجِ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَقَدْ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةِ الْمُرَيْسِيعِ بِامْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ مِنْ نِسَائِهِ وَالْغَزْوُ بِالنِّسَاءِ أَوَّلاً لَوْ كَانَ فِيهِ مَكْرُوهٌ بِأَنْ يُخَافَ عَلَى الْمُسْلِمَاتِ أَنْ يُؤْتَى بِهِنَّ بِلاَدَ الْحَرْبِ فَيُسْبَيْنَ أَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْ رَجُلٍ أَصَارَ جَارِيَةً فِي مِلْكِهِ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ يَغْلِبُونَ عَلَيْهَا فَيُسْتَرَقَّ وَلَدٌ إنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قَدْ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ نِسَاءَهُمْ الْمُسْلِمَاتِ وَمَنْ كَانَ مِنْ سِبَائِهِمْ وَمَا نِسَاؤُهُمْ إلَّا كَهُمْ فَإِذَا غَزَوْا أَهْلَ قُوَّةٍ بِجَيْشٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَغْزُوا بِالنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ الْغَارَةُ الَّتِي إنَّمَا يُغِيرُ فِيهَا الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ فَيَغْنَمُونَ مِنْ بِلاَدِهِمْ إنَّمَا يَنَالُونَ غِرَّةً وَيَنْحُبُونَ رَكْضًا كَرِهْت الْغَزْوَ بِالنِّسَاءِ فِي هَذَا الْحَالِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ النَّفَلِ فَإِنَّ الْخُمُسَ فِي كُلِّ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ بِحُكْمِ اللَّهِ إلَّا السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فِي الْإِقْبَالِ الَّذِي جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَتَلَ‏.‏ وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَمْرِ بَدْرٍ فَإِنَّمَا كَانَتْ الْأَنْفَالُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ بَدْرٍ‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ‏}‏ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ وَلِمَنْ سُمِّيَ مَعَهُ الْخُمُسَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَوْجَفَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ بِالْحُضُورِ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ‏.‏

بَيْعُ السَّبْيِ فِي دَارِ الْحَرْبِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى أَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يَتَبَايَعُونَ السَّبَايَا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ حَتَّى قُتِلَ الْوَلِيدُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ يُؤْخَذُ فِي الْحُكْمِ فِي الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ بِمِثْلِ هَذَا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ مَا لَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَيْهِ مِمَّا لاَ يَحِلُّ وَلاَ يَنْبَغِي مِمَّا لَوْ فَسَّرْته لَك لَعَرَفْته وَأَبْصَرْته عَلَيْهِ الْعَامَّةُ مِمَّا قَدْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا يُؤْخَذُ فِي هَذَا بِالسُّنَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ السَّلَفِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَمِنْ قَوْمٍ فُقَهَاءٍ‏,‏ وَإِذَا كَانَ وَطْؤُهَا مَكْرُوهًا فَكَذَلِكَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْهَا بَعْدُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ‏{‏قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَ خَيْبَرَ بِخَيْبَرَ وَجَمِيعُ مَالِهَا دَارُ شِرْكٍ وَهُمْ غطفان وَدَفَعَهَا إلَى يَهُودَ‏,‏ وَهُمْ لَهُ صُلْحُ مُعَامَلَةٍ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهَا بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْفُسُهُمْ بِهِ وَقَسَّمَ سَبْيَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَمَا حَوْلَهُ دَارُ كُفْرٍ وَوَطِئَ الْمُسْلِمُونَ‏}‏ وَلَسْنَا نَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مِنْ غَزَاةٍ حَتَّى يُقَسِّمَ السَّبْيَ فَإِذَا قَسَّمَ السَّبْيَ فَلاَ بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ وَإِصَابَتِهِ وَالِابْتِيَاعُ أَخَفُّ مِنْ الْقَسْمِ وَلاَ يَحْرُمُ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ بَيْعُ رَقِيقٍ وَلاَ طَعَامٍ وَلاَ شَيْءٍ غَيْرِهِ‏.‏

الرَّجُلُ يَغْنَمُ وَحْدَهُ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلاَنِ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ الْمِصْرِ فَأَغَارَا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَمَا أَصَابَا بِهَا فَهُوَ لَهُمَا وَلاَ يُخَمَّسُ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إذَا خَرَجَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُمَا وَحَرَمَهُمَا وَإِنْ شَاءَ خَمَّسَ مَا أَصَابَا ثُمَّ قَسَّمَهُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ كَانَ هَرَبَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا أُسَارَى فِي أَرْضِ الْحَرْبِ بِطَائِفَةٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَنَفَّلَهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا خَرَجُوا بِهِ بَعْدَ الْخُمُسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ يُنَاقِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ وَأَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِذَلِكَ وَهُوَ مَعَ الْجُنْدِ وَالْجَيْشِ إنَّمَا قَوِيَ عَلَى قَتْلِهِ بِهِمْ‏,‏ وَهَذَا الْوَاحِدُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ جُنْدٌ وَلاَ جَيْشٌ إنَّمَا هُوَ لِصٌّ أَغَارَ يُخَمَّسُ مَا أَصَابَ فَالْأَوَّلُ أَحْرَى أَنْ يُخَمَّسَ وَكَيْفَ يُخَمَّسُ فَيْئًا مَعَ هَذَا وَلَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ‏}‏ فَجَعَلَ الْفَيْءَ فِي هَذِهِ الآيَةِ لِهَؤُلاَءِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ وَحْدَهُ حَتَّى أَصَابَ فَهُوَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ شَرِيكٌ وَلاَ خُمُسٌ وَقَدْ خَالَفَ قَوْلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَؤُلاَءِ أَسْرَى أَرَأَيْت قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ فَأَغَارُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ انْفَلَتُوا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَخَرَجُوا بِغَنِيمَةٍ فَهَلْ يَسْلَمُ ذَلِكَ لَهُمْ‏؟‏ أَرَأَيْت إنْ خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَطِبُونَ أَوْ يَتَصَيَّدُونَ أَوْ لِعَلَفٍ أَوْ لِحَاجَةٍ فَأَسَرَهُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ ثُمَّ انْفَلَتُوا مِنْ أَيْدِيهِمْ بِغَنِيمَةٍ هَلْ تَسْلَمُ لَهُمْ‏؟‏ وَإِنْ ظَفِرُوا بِتِلْكَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْسِرَهُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ هَلْ تَسْلَمُ لَهُمْ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ بِهِ فَقَدْ نَقَضَ قَوْلَهُ وَإِنْ قَالَ لاَ فَقَدْ خَالَفَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ ‏{‏بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَرَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ سَرِيَّةً وَحْدَهُمَا‏}‏ وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ سَرِيَّةً وَحْدَهُ فَإِذَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوَاحِدَ يَتَسَرَّى وَحْدَهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ الْعَدَدِ لِيُصِيبَ مِنْ الْعَدُوِّ غِرَّةً بِالْحِيلَةِ أَوْ يَعْطَبَ فَيَعْطَبَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ وَحُكْمُ اللَّهِ بِأَنَّ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ الْخُمُسُ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْمُوجِفِينَ فَسَوَاءٌ قَلِيلُ الْمُوجِفَيْنِ وَكَثِيرُهُمْ لَهُمْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهِ وَالسَّلَبُ لِمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَالْخُمُسُ بَعْدَهُ حَيْثُ وَضَعَهُ اللَّهُ وَلَكِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ الْقَلِيلُ إلَى الْكَثِيرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَسَبِيلُ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَسَبِيلِ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ‏,‏ وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَانَ فِي مَعْنَى السَّارِقِ زَعَمْنَا أَنَّ جُيُوشًا لَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَانَتْ سُرَّاقًا وَأَنَّ أَهْلَ حِصْنٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَوْ جَاءَهُمْ الْعَدُوُّ فَحَارَبُوهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَانُوا سُرَّاقًا وَلَيْسَ هَؤُلاَءِ بِسُرَّاقٍ بَلْ هَؤُلاَءِ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمُؤَدُّونَ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّفِيرِ وَالْجِهَادِ‏,‏ وَالْمُتَنَاوِلُونَ نَافِلَةَ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ‏}‏ وَحُكْمُ اللَّهِ فِي أَنَّ مَا لاَ يوجفون عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ سُمِّيَ مَعَهُ فَإِنَّمَا أُولَئِكَ قَوْمٌ قَاتَلُوا بِالْمَدِينَةِ بَنِي النَّضِيرِ فَقَاتَلُوهُمْ بَيْنَ بُيُوتِهِمْ لاَ يوجفون بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَمْ يُكَلِّفُوا مُؤْنَةً وَلَمْ يُفْتَتَحُوا عَنْوَةً وَإِنَّمَا صَالَحُوا وَكَانَ الْخُمُسُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ الَّتِي تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَوْ أَوْجَفُوا الْخَيْلَ وَالرِّكَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصًا يَضُمُّهَا حَيْثُ يَضَعُ مَالَهُ ثُمَّ أَجْمَعَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَحَدًا لاَ يَقُومُ بَعْدَهُ مُقَامَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَتْ حُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ فِي اللَّذَيْنِ دَخَلاَ سَارِقَيْنِ أَنَّهُمَا لَمْ يُوجِفَا بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ يُخَمَّسُ مَا أَصَابَا وَتَكُونُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا مُوجِفَانِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُوجِفَيْنِ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ هَذَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الَّذِينَ زَعَمَ أَنَّهُمْ ذُكِرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ فَمَا قَالَ بِمَا تَأَوَّلَ وَلاَ بِكِتَابٍ فِي الْخُمُسِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْبَته فِي كُلِّ غَنِيمَةٍ تَصِيرُ مِنْ مُشْرِكٍ أَوْجَفَ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُوجِفْ‏.‏

فِي الرَّجُلَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ الْعَسْكَرِ فَيُصِيبَانِ جَارِيَةً فَيَتَبَايَعَانِهَا

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا خَرَجَ رَجُلاَنِ مُتَطَوِّعَانِ مِنْ عَسْكَرٍ فَأَصَابَا جَارِيَةً وَالْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا حِصَّةَ الْآخَرِ مِنْهُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَلاَ يَطَؤُهَا الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَإِنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ غَدَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفِيَّةُ إلَى جَانِبِهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِي بِنْتِ حُيَيٍّ مِنْ بَيْعٍ‏؟‏ فَقَالَ إنَّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ كَنَّتَكُمْ فَاسْتَدَارَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى وَلَّوْا ظُهُورَهُمْ‏}‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ دَارَ إسْلاَمٍ فَظَهَرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَرَى عَلَيْهَا حُكْمُهُ وَعَامَلَهُمْ عَلَى الْأَمْوَالِ فَلَيْسَ بِشَبِيهِ خَيْبَرَ مَا يَذْكُرُ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَا يَعْنِي بِهِ وَقَدْ نَقَضَ قَوْلُهُ فِي هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ حَيْثُ زَعَمَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ وَيُؤْخَذُ مَا مَعَهُمْ ثُمَّ زَعَمَ هَهُنَا أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الرَّجُلَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَقَدْ وَصَفْنَا أَمْرَ خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا فِي الْوَطْءِ فِي الْمَسَائِلِ قَبْلَ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالاَ وَهُوَ أَنَّ اللَّذَيْنِ أَصَابَا الْجَارِيَةَ لَيْسَتْ لَهُمَا الْخُمُسُ فِيهَا لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ الْحَشْرِ وَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا فَيُقَاسِمُهُمَا الْإِمَامُ بِالْقِيمَةِ وَالْبَيْعِ كَمَا يَفْعَلُ الشُّرَكَاءُ ثُمَّ يَكُونُ وَطْؤُهَا لِمَنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ كَانَ أَوْ غَيْرِهَا‏.‏

إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا غَزَا الْجُنْدُ أَرْضَ الْحَرْبِ وَعَلَيْهِمْ أَمِيرٌ فَإِنَّهُ لاَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي عَسْكَرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامَ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَيُقِيمَ الْحُدُودَ فِي عَسْكَرِهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَنْ أُمِّرَ عَلَى جَيْشٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ أَقَامَ الْحُدُودَ فِي عَسْكَرِهِ غَيْرَ الْقَطْعِ حَتَّى يَقْفُلَ مِنْ الدَّرْبِ فَإِذَا قَفَلَ قَطَعَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُقِمْ الْحُدُودَ غَيْرَ الْقَطْعِ وَمَا لِلْقَطْعِ مِنْ بَيْنِ الْحُدُودِ إذَا خَرَجَ مِنْ الدَّرْبِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلاَيَتُهُ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِيرِ مِصْرٍ وَلاَ مَدِينَةٍ إنَّمَا كَانَ أَمِيرَ الْجُنْدِ فِي غَزْوِهِمْ فَلَمَّا خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ عَنْهُمْ‏.‏ أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ لاَ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُهَا بِالْعَدُوِّ وَالْحُدُودُ فِي هَذَا كُلِّهِ سَوَاءٌ‏.‏ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَإِلَى عُمَّالِهِ أَنْ لاَ يُقِيمُوا حَدًّا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى أَرْضِ الْمُصَالَحَةِ وَكَيْفَ يُقِيمُ أَمِيرُ سَرِيَّةٍ حَدًّا وَلَيْسَ هُوَ بِقَاضٍ وَلاَ أَمِيرٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ أَوَرَأَيْت الْقُوَّادَ الَّذِينَ عَلَى الْخُيُولِ أَوْ أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ يُقِيمُونَ الْحُدُودَ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ فَكَذَلِكَ هُمْ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى يُقِيمُ أَمِيرُ الْجَيْشِ الْحُدُودَ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْأَرْضِ إذَا وُلِّيَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُوَلَّ فَعَلَى الشُّهُودِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْحَدِّ أَنْ يَأْتُوا بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَى الْإِمَامِ وَإِلَى ذَلِكَ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ أَوْ بِبِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلاَمِ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ الْحُدُودِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}‏ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الزَّانِي الثَّيِّبِ الرَّجْمَ وَحَدَّ اللَّهُ الْقَاذِفَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لَمْ يَسْتَثْنِ مَنْ كَانَ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَلاَ فِي بِلاَدِ الْكُفْرِ وَلَمْ يَضَعْ عَنْ أَهْلِهِ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِهِ وَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ بِبِلاَدِ الْكُفْرِ مَا هُوَ إلَّا مَا قُلْنَا فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلتَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ مِمَّا يَعْقِلُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَلاَلَ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ حَلاَلٌ فِي بِلاَدِ الْكُفْرِ وَالْحَرَامَ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ حَرَامٌ فِي بِلاَدِ الْكُفْرِ فَمَنْ أَصَابَ حَرَامًا فَقَدْ حَدَّهُ اللَّهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْهُ وَلاَ تَضَعُ عَنْهُ بِلاَدُ الْكُفْرِ شَيْئًا أَوْ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ الْحُدُودَ بِالْأَمْصَارِ وَإِلَى عُمَّالِ الْأَمْصَارِ فَمَنْ أَصَابَ حَدًّا بِبَادِيَةٍ مِنْ بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ فَالْحَدُّ سَاقِطٌ عَنْهُ وَهَذَا مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُسْلِمًا يَقُولُهُ وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي الْمِصْرِ وَلاَ وَالِيَ لِلْمِصْرِ يَوْمَ يُصِيبُ الْحَدَّ كَانَ لِلْوَالِي الَّذِي يَلِي بَعْدَمَا أَصَابَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ فَكَذَلِكَ عَامِلُ الْجَيْشِ إنْ وُلِّيَ الْحَدَّ أَقَامَهُ وَإِنْ لَمْ يُوَلَّ الْحَدَّ فَأَوَّلُ مَنْ يَلِيهِ يُقِيمُهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْحُكْمِ وَالْقَطْعِ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ وَغَيْرِ الْقَطْعِ سَوَاءٌ فَأَمَّا قَوْلُهُ يَلْحَقُ بِالْمُشْرِكِينَ فَإِنْ لَحِقَ بِهِمْ فَهُوَ أَشْقَى لَهُ وَمَنْ تَرَكَ الْحَدَّ خَوْفَ أَنْ يَلْحَقَ الْمَحْدُودُ بِبِلاَدِ الْمُشْرِكِينَ تَرَكَهُ فِي سَوَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَالِحِهِمْ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ مِثْلَ طَرَسُوسَ وَالْحَرْبِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مُنْكَرٌ غَيْرُ ثَابِتٍ وَهُوَ يَعِيبُ أَنْ يُحْتَجَّ بِحَدِيثٍ غَيْرِ ثَابِتٍ وَيَقُولُ حَدَّثَنَا شَيْخٌ وَمَنْ هَذَا الشَّيْخُ‏؟‏ يَقُولُ مَكْحُولٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ‏.‏

مَا عَجَزَ الْجَيْشُ عَنْ حَمْلِهِ مِنْ الْغَنَائِمِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى وَإِذَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنَائِمَ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ غَنَمٍ فَعَجَزُوا عَنْ حَمْلِهِ ذَبَحُوا الْغَنَمَ وَحَرَقُوا الْمَتَاعَ وَحَرَقُوا لُحُومَ الْغَنَمِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ نَهَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ تُعْقَرَ بَهِيمَةٌ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَأَخَذَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتُهُمْ حَتَّى إنْ كَانَ عُلَمَاؤُهُمْ لَيَكْرَهُونَ لِلرَّجُلِ ذَبْحَ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ لِيَأْكُلَ طَائِفَةً مِنْهَا وَيَدَعَ سَائِرَهَا‏.‏ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَحْلاً ذَهَبَ رُبُعُ أَجْرِهِ وَمَنْ عَقَرَ جَوَادًا ذَهَبَ رُبُعُ أَجْرِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَوْلُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ وَاللِّينَةُ فِيمَا بَلَغَنَا النَّخْلَةُ وَكُلُّ مَا قُطِعَ مِنْ شَجَرِهِمْ وَحُرِّقَ مِنْ نَخْلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ فَهُوَ مِنْ الْعَوْنِ عَلَيْهِمْ وَالْقُوَّةِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ‏}‏ وَإِنَّمَا كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَرِّقُوا النَّخْلَ وَالشَّجَرَ لِأَنَّ الصَّائِفَةَ كَانَتْ تَغْزُو كُلَّ عَامٍ فَيَتَقَوَّوْنَ بِذَلِكَ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَلَوْ حَرَّقُوا ذَلِكَ خَافُوا أَنْ لاَ تَحْمِلَهُمْ الْبِلاَدُ وَاَلَّذِي فِي تَخْرِيبِ ذَلِكَ مِنْ خِزْيِ الْعَدُوِّ وَنِكَايَتِهِمْ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَبْلَغُ مَا يَتَقَوَّى بِهِ الْجُنْدُ فِي الْقِتَالِ حَدَّثَنَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا‏:‏ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حِينَ حَاصَرَ الطَّائِفَ أَمَرَ بِكَرْمٍ لِبَنِي الْأَسْوَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يُقْطَعَ حَتَّى طَلَبَ بَنُو الْأَسْوَدِ إلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْلُبُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ وَلاَ يَقْلَعَهَا فَكَفَّ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَمَّا كُلُّ مَا لاَ رُوحَ فِيهِ لِلْعَدُوِّ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُحَرِّقَهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُخَرِّبُوهُ بِكُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ مُعَذَّبًا إنَّمَا الْمُعَذَّبُ مَا يَأْلَمُ بِالْعَذَابِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ قَدْ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهَا وَقَطَعَ مِنْ أَعْنَابِ الطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزَاةٍ غَزَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ فِيهَا حَرْبًا وَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهَا قِيَاسٌ عَلَى مَا لاَ رُوحَ فِيهِ فَلْيَقُلْ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُحَرِّقُوهَا كَمَا لَهُمْ أَنْ يُحَرِّقُوا النَّخْلَ وَالْبُيُوتَ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ ذَبَحُوا مَا يُذْبَحُ مِنْهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا أَحَلَّ ذَبْحَهَا لِلْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهَا حُوسِبَ بِهَا قِيلَ وَمَا حَقُّهَا‏؟‏ قَالَ أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا وَلاَ يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَصْبُورَةِ عَنْ أَكْلِهَا فَقَدْ أَحَلَّ إمَاتَةَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتُلَ مَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لِضَرَرِهِ وَمَا كَانَ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَحَرَّمَ أَنْ تُعَذَّبَ الَّتِي لاَ تَضُرُّ لِغَيْرِ مَنْفَعَةِ الْأَكْلِ فَإِذَا ذَبَحْنَا غَنَمَ الْمُشْرِكِينَ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَصِلُ فِيهِ إلَى أَكْلِ لُحُومِهَا فِيهِ فَهُوَ قَتْلٌ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَهُمْ يَتَقَوَّوْنَ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا فَلَمْ نَشُكَّ فِي أَنْ يَتَقَوَّى بِهَا الْمُشْرِكُونَ حِينَ ذَبَحْنَاهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَطْعًا لِقُوتِهِمْ فَإِنْ قَالَ فَفِي ذَبْحِهَا قَطْعٌ لِلْمَنْفَعَةِ لَهُمْ فِيهَا فِي الْحَيَاةِ قِيلَ قَدْ تَنْقَطِعُ الْمَنْفَعَةُ عَنْهُمْ بِأَبْنَائِهِمْ لَوْ ذَبَحْنَاهُمْ وَشُيُوخَهُمْ وَالرُّهْبَانُ لَوْ ذَبَحْنَاهُمْ فَلَيْسَ كُلُّ مَا قَطَعَ الْمَنْفَعَةَ وَبَلَغَ غَيْظَهُمْ حَلَّ لَنَا فَمَا حَلَّ لَنَا مِنْهُ فَعَلْنَاهُ وَمَا حَرُمَ عَلَيْنَا تَرَكْنَاهُ وَمَا شَكَكْنَا فِيهِ أَنَّهُ يَحِلُّ أَوْ يَحْرُمُ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا كَانَ يَحِلُّ لَنَا لَوْ أَطْعَمْنَاهُمْ مِنْ طَعَامِنَا فَلَيْسَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا لَوْ تَرَكْنَا أَشْيَاءَ لَهُمْ إذَا لَمْ نَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهَا كَمَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْنَا أَنْ نَتْرُكَ مَسَاكِنَهُمْ أَوْ نَخِيلَهُمْ لاَ نُحَرِّقُهَا فَإِذَا كَانَ مُبَاحًا أَنْ نَتْرُكَ هَذَا لَهُمْ وَكُنَّا مَمْنُوعِينَ أَنْ نَقْتُلَ ذَا الرُّوحِ الْمَأْكُولِ إلَّا لِلْمَنْفَعَةِ بِالْأَكْلِ كَانَ الْأَوْلَى بِنَا أَنْ نَتْرُكَهُ إذَا كَانَ ذَبْحُهُ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ‏.‏